فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

بيّن تعالى أن لكل إنسان ورثةً وَموالي؛ فلينتَفِع كلُّ واحدٍ بما قسَم الله له من الميراث، ولا يتمنى مالَ غيره.
وروى البخاري في كتاب الفرائض من رواية سعيد بن جُبير عن ابن عباس: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] قال: كان المهاجرون حين قدِموا المدينة يرث الأنصاري المهاجريُّ دون ذوي رحِمِه؛ للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: نسختها {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
قال أبو الحسن بن بطّال: وقع في جميع النسخ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: نسختها {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
والصواب أن الآية الناسخة {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} والمنسوخة {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}، وكذا رواه الطبري في روايته.
وروي عن جمهور السلف أن الآية الناسخة لقوله: {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قوله تعالى في [الأنفال]: {وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} [الانفال: 75].
رُوي هذا عن ابن عباس وقَتادة والحسن البَصْرِي؛ وهو الذي أثبته أبو عبيد في كتاب [الناسخ والمنسوخ] له.
وفيها قول آخر رواه الزُّهْرِي عن سعيد بن المسيب قال: أمر الله عز وجل الذين تَبَنَّوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوا في الإسلام أن يجعلوا لهم نصيبًا في الوصيّة وردّ الميراث إلى ذَوي الرَّحِم وَالعَصَبة وقالت طائفة: قوله تعالى: {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} مُحْكَمٌ وليس بمنسوخ؛ وإنما أمر الله المؤمنين أن يُعْطُوا الحلفاء أنصباءهم من النُّصرة والنصيحة وما أشبه ذلك؛ ذكره الطبري عن ابن عباس.
{والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من النُّصرة والنصيحة والرِّفادة ويُوصى لهم وقد ذهب الميراث؛ وهو قول مُجاهد والسُّدي.
قلت واختاره النحاس؛ ورواه عن سعيدبن جبير، ولا يصح النسخ؛ فإن الجمع ممكن كما بيّنه ابن عباس فيما ذكره الطبري، ورواه البخاري عنه في كتاب التفسير.
وسيأتي ميراث {ذوي الأرحام} في [الأنفال] إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه يمكن تفسير الآية بحيث يكون الوالدان والأقربون وراثًا، ويمكن أيضا بحيث يكونان موروثا عنهما.
أما الأول: فهو أن قوله: {وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ} أي: ولكل واحد جعلنا ورثة في تركته، ثم كأنه قيل: ومن هؤلاء الورثة؟ فقيل: هم الوالدان والأقربون، وعلى هذا الوجه لابد من الوقف عند قوله: {مّمَّا تَرَكَ}.
وأما الثاني: ففيه وجهان: الأول: أن يكون الكلام على التقديم والتأخير، والتقدير: ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي، أي: ورثة و{جَعَلْنَا} في هذين الوجهين لا يتعدى إلى مفعولين، لأن معنى {جَعَلْنَا} خلقنا.
الثاني: أن يكون التقدير: ولكل قوم جعلناهم موالى نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، فقوله: {مَوَالِىَ} على هذا القول يكون صفة، والموصوف يكون محذوفا، والراجع إلى قوله: {وَلِكُلّ} محذوفا، والخبر وهو قوله: {نَّصِيبٍ} محذوف أيضا، وعلى هذا التقدير يكون {جَعَلْنَا} متعديا إلى مفعولين، والوجهان الأولان أولى، لكثرة الإضمار في هذا الوجه. اهـ.

.قال القرطبي:

كُلّ في كلام العرب معناها الإحاطة والعموم.
فإذا جاءت مفردة فلابد أن يكون في الكلام حذف عند جميع النحويين؛ حتى أن بعضهم أجاز مررتُ بكلٍّ، مثل قبلُ وبعدُ.
وتقدير الحذف: ولكلّ أحدٍ جعلنا موالي، يعني ورثة.
{والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني بالحلف؛ عن قتادة.
وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول: دَمي دَمُك، وهَدْمي هَدْمُكَ، وثأري ثأرك، وحَرْبي حربُكَ، وسِلْمي سِلْمك، وتَرِثُني وأرِثُك، وتطلب بي وأطلب بك، وتَعْقِل عني وأعْقِل عنك؛ فيكون للحليف السّدسُ من ميراث الحَليف ثم نسخ. اهـ.

.قال الفخر:

فصل في معاني الموالي:
لفظ مشترك بين معان: أحدها: المعتق، لأنه ولى نعمته في عتقه، ولذلك يسمى مولى النعمة.
وثانيها: العبد المعتق، لاتصال ولاية مولاه في إنعامه عليه، وهذا كما يسمى الطالب غريما، لأن له اللزوم والمطالبة بحقه، ويسمى المطلوب غريما لكون الدين لازما له.
وثالثها: الحليف لأن المحالف يلي أمره بعقد اليمين.
ورابعها: ابن العم، لأنه يليه بالنصرة للقرابة التي بينهما.
وخامسها: المولى الولي لأنه يليه بالنصرة قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} [محمد: 11] وسادسها: العصبة، وهو المراد به في هذه الآية لأنه لا يليق بهذه الآية إلا هذا المعنى، ويؤكده ما روى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بالمؤمنين من مات وترك مالا فماله للموالي العصبة ومن ترك كلا فأنا وليه» وقال عليه الصلاة والسلام: «اقسموا هذا المال فما أبقت السهام فلأولي عصبة ذكر». اهـ.
قال الفخر:
الأيمان: جمع يمين، واليمين يحتمل أن يكون معناه اليد، وأن يكون معناه القسم، فإن كان المراد اليد ففيه مجاز من ثلاثة أوجه: أحدها: أن المعاقدة مسندة في ظاهر اللفظ إلى الأيدي، وهي في الحقيقة مسندة إلى الحالفين، والسبب في هذا المجاز أنهم كانوا يضربون صفقة البيع بأيمانهم، ويأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد.
والوجه الثاني: في المجاز: وهو أن التقدير: والذين عاقدت بحلفهم أيمانكم، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وحسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه.
الثالث: أن التقدير: والذين عاقدتهم، إلا أنه حذف الذكر العائد من الصلة إلى الموصول، هذا كله إذا فسرنا اليمين باليد.
أما إذا فسرناها بالقسم والحلف كانت المعاقدة في ظاهر اللفظ مضافة إلى القسم، وإنما حسن ذلك لأن سبب المعاقدة لما كان هو اليمين حسنت هذه الإضافة، والقول في بقية المجازات كما تقدم. اهـ.
قال الفخر:
من الناس من قال: هذه الآية منسوخة، ومنهم من قال: إنها غير منسوخة.
أما القائلون بالنسخ فهم الذين فسروا الآية بأحد هذه الوجوه التي نذكرها:
فالأول: هو أن المراد بالذين عاقدت أيمانكم: الحلفاء في الجاهلية، وذلك أن الرجل كان يعاقد غيره ويقول: دمي دمك وسلمي سلمك، وحربي حربك، وترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون لهذا الحليف السدس من الميراث، فنسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} [الأنفال: 75] وبقوله: {يُوصِيكُمُ الله}.
الثاني: أن الواحد منهم كان يتخذ إنسانا أجنبيا ابنا له، وهم المسمون بالأدعياء، وكانوا يتوارثون بذلك السبب ثم نسخ.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يثبت المؤاخاة بين كل رجلين من أصحابه، وكانت تلك المؤاخاة سببا للتوارث.
واعلم أن على كل هذه الوجوه الثلاثة كانت المعاقدة سببا للتوارث بقوله: {فآتوهم نصيبهم} ثم أن الله تعالى نسخ ذلك بالآيات التي تلوناها.
القول الثاني: قول من قال: الآية غير منسوخة، والقائلون بذلك ذكروا في تأويل الآية وجوها:
الأول: تقدير الآية: ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي ورثة فآتوهم نصيبهم، أي فآتوا الموالي والورثة نصيبهم، فقوله: {والذين عَقَدَتْ أيمانكم} معطوف على قوله: {الوالدان والأقربون} والمعنى: ان ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به، وسمى الله تعالى الوارث مولى.
والمعنى لا تدفعوا المال إلى الحليف، بل إلى المولى والوارث، وعلى هذا التقدير فلا نسخ في الآية، وهذا تأويل أبي علي الجبائي.
الثاني: المراد بالذين عاقدت أيمانكم: الزوج والزوجة، والنكاح يسمى عقدا قال تعالى: {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النكاح} [البقرة: 235] فذكر تعالى الوالدين والأقربين، وذكر معهم الزوج والزوجة، ونظيره آية المواريث في أنه لما بين ميراث الولد والوالدين ذكر معهم ميراث الزوج والزوجة، وعلى هذا فلا نسخ في الآية أيضا، وهو قول أبي مسلم الأصفهاني.
الثالث: أن يكون المراد بقوله: {والذين عقدت أيمانكم} الميراث الحاصل بسبب الولاء، وعلى هذا التقدير فلا نسخ أيضا.
الرابع: أن يكون المراد من {الذين عَقَدَتْ أيمانكم} الحلفاء، والمراد بقوله: {فآتوهم نصيبهم} النصرة والنصيحة والمصافاة في العشرة، والمخالصة في المخالطة، فلا يكون المراد التوارث، وعلى هذا التقدير فلا نسخ أيضا.
الخامس: نقل أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفي ابنه عبد الرحمن، وذلك أنه رضي الله عنه حلف أن لا ينفق عليه ولا يورثه شيئا من ماله، فلما أسلم عبد الرحمن أمره الله أن يؤتيه نصيبه، وعلى هذا التقدير فلا نسخ أيضا.
السادس: قال الأصم: إنه نصيب على سبيل التحفة والهدية بالشيء القليل، كما أمر تعالى لمن حضر القسمة أن يجعل له نصيب على ما تقدم ذكره، وكل هذه الوجوه حسنة محتملة والله أعلم بمراده. اهـ.
قال الفخر:
قال جمهور الفقهاء: لا يرث المولى الأسفل من الأعلى.
وحكى الطحاوي عن الحسن بن زياد أنه قال: يرث، لما روى ابن عباس أن رجلا أعتق عبدا له، فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام المعتق، ولأنه داخل في قوله تعالى: {والذين عَقَدَتْ أيمانكم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}.
والجواب عن التمسك بالحديث: أنه لعل ذلك المال لما صار لبيت المال دفعه النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك الغلام لحاجته وفقره، لأنه كان مالا لا وارث له، فسبيله أن يصرف إلى الفقراء. اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي ومالك رضي الله عنهما: من أسلم على يد رجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث له غيره، انه لا يرثه بل ميراثه للمسلمين.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يرثه حجة الشافعي: أنا بينا أن معنى هذه الآية ولكل شيء مما تركه الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم، فقد جعلنا له موالي وهم العصبة، ثم هؤلاء العصبة إما الخاصة وهم الورثة، وإما العامة وهم جماعة المسلمين، فوجب صرف هذا المال إلى العصبة العامة ما لم توجد العصبة الخاصة، واحتج أبو بكر الرازي لقوله بأن الآية توجب الميراث للذي والاه وعاقده، ثم إنه تعالى نسخه بقوله: {وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كتاب الله} [الأنفال: 75] فهذا النسخ إنما يحصل إذا وجد أولو الأرحام فإذا لم يوجدوا لزم بقاء الحكم كما كان.
والجواب: أنا بينا أنه لا دلالة في الآية على أن الحليف يرث، بل بينا أن الآية دالة على أنه لا يرث، وبينا أن القول بهذا النسخ باطل. اهـ.
قال الفخر:
{إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شيء شَهِيدًا} وهو كلمة وعد للمطيعين، وكلمة وعيد للعصاة والشهيد الشاهد والمشاهد، والمراد منه إما علمه تعالى بجميع الجزئيات والكليات، وإما شهادته على الخلق يوم القيامة بكل ما عملوه.
وعلى التقدير الأول: الشهيد هو العالم، وعلى التقدير الثاني: هو المخبر. اهـ.